إضراب العاملين في المرافق العامة - دراسـة في النظـام القانـوني الفلسطينـي والفرنسـي والجزائـري

لقد أصبح تدخل الدولة أو السلطة السياسية للقيام بأداء الخدمات العامة يتخذ فى أغلبيته صورة المرفق العام الذي أصبح بمثابة الوظيفة الرئيسية للدولة التي تتسع كلما نقص النشاط الفردي الخاص وتضييق كلما زادت الأنشطة الخاصة للأفراد في الدولة، فالمرفق العام عد من المفاهيم الأساسية في القانون الإداري،  فالعلامة Duguit مؤسس مدرسة المرفق العام اعتبر إن فكرة المرفق العام تفسر كل القانون الإداري، وفي نظر هذه المدرسة القانون الإداري هو قانون المرفق العام والدولة هي مجموعة من المرافق العامة، فالمرافق العامة في الدولة تهدف إلى إشباع الحاجات الحيوية والخدمات الأساسية للجمهور ولما كانت هذه الخدمات تمس الأفراد في صميم حياتهم ويتوقف عليها إلى حد كبير أداء  واجباتهم، كان من الضروري أن تخضع في إدارتها لقدر من القواعد يضمن  تحقيق الغرض المرجو على أتم وجه. لهذا استقر الرأي الفقهي على إخضاع المرافق العامة لعدد من القواعد الأساسية التي تمليها الاعتبارات العملية والعدالة الاجتماعية قبل كل شيء ونظرا لاختلاف طبيعة نشاط المرافق العامة وبالتالي  اختلاف طرق إدارتها أصبح من الصعب سن قانون واحد يحكم المرافق جميعا، غير أن ذلك لم يمنع من إخضاع كل المرافق لمبادئ معينة اتفق الفقه والقضاء شأنها. فمن أهم هذه المبادئ مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد الذي يعد من أهم المبادئ الضابطة لسير المرافق العامة، ويعتبر هذا المبدأ من صنع مجلس  الدولة الفرنسي وكان للفقيه رولان السبق الأول في استخلاصه من أحكام مجلس  الدولة الفرنسي. ويقضي هذا المبدأ على ضرورة سير مرافق الدولة بانتظام دون توقف أو انقطاع في تقديم الخدمات الأساسية للجمهور وإشباع حاجاته العامة  التي رتبوا على أساسها تنظيم أحوالهم المعيشية. وبذلك فإن حدوث أي انقطاع أو تعطيل في سير أي مرفق من المرافق العامة يترتب عليه حدوث اضطراب وإلحاق أضرار تمس الأفراد، ذلك أن هؤلاء الأفراد لن يتصوروا توقف مرفق  النقل مثلا عن أداء خدماته المتمثلة في نقلهم إلى مكان آخر ،خاصة إذا حدث هذا التعطيل في أوقات هم في أمس الحاجة فيها إلى هذا المرفق،كما لو حدث ذلك في فترة الامتحانات التي يؤدي التأخر عنها- بسبب توقف مرفق النقل – إلى ضياع الوقت على الطلاب أو العاملين أو الموظفين. وبهذا لن يكون المرفق قد حقق الغاية والهدف الذي وجد من اجله وهو تحقيق الخدمات الأساسية للمواطنين إذا ما أصاب هذا المرفق توقف أو انقطاع عند قيامه بعمله اتجاه الأفراد، وبالتالي فان نشاط المرفق العام ضروري لحياة الأفراد ولا ينبغي أن ينقطع لما ينجر عن توقفه من عواقب وخيمة على حياة المجتمع، وكما يقال:" الاستمرارية من روح المرفق العام". ومن ثم وجب على الدولة أن تعمل على ضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد حفاظا على النظام العام واستجابة لخدمة مصالح الأفراد وإشباع حاجاتهم الضرورية التي تستلزم ضرورة دوام سير المرافق العامة. ولهذا أضحى مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد من القواعد الهامة التي تتخذ أساسا للكثير من نظريات وقواعد القانون الإداري في العديد من المجالات التطبيقية. لذا كان من نتائج هذا المبدأ تحريم الاستقالة الجماعية التي تشكل اكبر خطر على مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد إذ يؤدي في بعض الحالات إلى شل عمل المرفق العام وعرقلة سيره، لذا نجد بعض التشريعات تدرجه كنوع من أنواع الإضراب وتطبق عليه أحكام الإضراب. ومن أهم نتائج مبدأ استمرارية المرفق العام تحريم أو تنظيم الإضراب الذي من شأنه عرقلة سير المرافق العامة بانتظام واطراد، ونظرا لأهمية وتأثير الإضراب في المرافق العامة ارتأينا أن نتعرض له في هذا البحث بشيء من التفصيل وكذا إلى تطبيقه العملي المترتب عنه في كل من التشريع الفلسطيني والفرنسي والجزائـري على حد سواء. لذلك جاءت دراستنا تهدف إلى وضع موضوع المرفق العام في فلسطين تحت المجهر العلمي، وهذا من خلال توضيح علاقة الإضراب وأثرة على استمرارية المرافق العامة مقارنة كل ذلك بما هو معمول به في الجزائر وفرنسا، ويعود اختيارنا للتشريع الفرنسي كوجه للمقارنة لكون فكرة المرفق العام وعناصره هو من ابتداع مجلس الدولة الفرنسي وله السبق في ترسيخ قواعده، كما أن اختيار التشريع الجزائري للدراسة يعود إلى معرفتي بالتشريع والتجربة الجزائرية في هذا الشأن حيث مرت بظروف إضراب العاملين والموظفين في المرافق العامة تشبه لحد كبير ما تمر به السلطة الوطنية الفلسطينية من إضراب دام لمدة تتجاوز خمسة اشهر، كانت مليئة بالتجاذب السياسي والقانوني فتارة يحرم الإضراب وتارة أخرى يحلل الإضراب وتارة ثالثة يقر بشرعية الإضراب ويعيب على التوقيت الإضراب أو سلوك المضربين. هذا كله دفعنا إلى إعادة صياغة هذه الدراسة التي سبق لي وان قمت بها في مرحلة دراستي بالجزائر، صياغة نحاول من خلالها توضيح وتحل

الاستاذ سامر احمد موسى
محامى وباحث

0 النعليقات:

إرسال تعليق

نرجوا التفعال مع المواضيع ولو بكلمة واحدة شكرا فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ..و والله ليس حبا فى الشكر ولكن من اجل ان ينتفع عدد اكبر من الناس من المواضيع وذالك بجعلها فى مقدمة نتائج البحث شاركنا الاجر والثوواب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الارشيف

مشاركة مميزة

المشاركات الرائجة